إظهار الرسائل ذات التسميات علوم القرآن. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات علوم القرآن. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، 5 أبريل 2019
الأربعاء، 27 مارس 2019
المحاضرة الثامنة في مادة علوم القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة الثامنة
في مادة:
علوم القرآن فوج ¾
**************************
« التفسير و المفسرون »
·
التفسير و المفسرون:
تفسير كتاب الله عز وجل ممتد
من حيث الزمن ، من القرن الاول الهجري الى يوم الناس هذا ، حيث ظهر مع تنزل كتاب الله
عز وجل ، ومازالت المؤلفات تثرى منذ ذلك الوقت الى يومنا هذا.
والتفسير من حيث المكان ظهر أول ما ظهر في الجزيرة
العربية ثم بلغ كل الأمصار التي وصلها الاسلام بعد تفرق الصحابة في هذه الأمصار.
والذين ألفوا في تفسير كتاب الله عز وجل منذ ذلك
الوقت ، وفي تلك الربوع الاسلامية يعدون بالآلاف وما طُبع من كتب التفسير يُعد بالمئات.
ويكفينا أن نتصفح ترجمه أحد الأعلام لنجد أن مؤلفاته
في تفسير كتاب الله تعالى او ما تعلق بكتاب الله عز وجل ، نجدها بالأعداد الكبيرة.
فيكفي
أن نذكر كتاب "طبقات المفسرين" لمحمد بن علي بن أحمد الداوودي ، الذي جمع
في كتابه مئات تراجم الأعلام الذين يحق أن يُنسبوا إلى أهل التفسير أو المفسرين، مع
العلم أن بعض الأعلام ألَّف أكثر من كتاب في التفسير كالإمام السيوطي رحمه الله (ت911هـ) .
~ ومن ضمن ما ألَّف السيوطي: كتاب " الدُّر
المنثور في التفسير بالمأثور" ، وطُبع هذا الكتاب في أجزاء عدة.
وكان في وُدِّهِ أن يُألف كتابا واسعا في التفسير
اختار له عنوان "مجمع البحرين ومطلع البدرين" لكن المنية عاجلته وحالت بينه
وبين أن يُكمل هذا المشروع الجليل ، وقد جعل كمقدمة لكتابه هذا ، كتاب الاتقان في علوم
القران وهو من سته اجزاء .
كما ألَّف كتاب" تفسير الجلالين" بالإشتراك
مع جلال الدين المحلي (ت 864هـ) رغم انهما لم يتعاصرا ، وإنما طريقه اشتراكهما
، هي أن جلال الدين المحلي ألَّف تفسيرا لكتاب الله عز وجل ، بدأه بسورة الكهف إلى
سورة الناس ، ولما جاء جلال الدين السيوطي ، اطلع على هذا الكتاب بعد وفاة جلال الدين
المحلي فأخذ على عاتقه أن يتممه على نفس المنهج ، فبدأ تفسير القران من أوله إلى سورة
الإسراء.
وألَّف
السيوطي أيضا كتابا في تفسير أحكام القرآن وسماه: " الإكليل في استنباط التنزيل"
، وتناول فيه بيان أحكام القرآن المتعلقة بأفعال المكلفين على اصطلاح الفقهاء.
فالسيوطي رحمه الله ألَّف أكثر من أربعة تفاسير وصلت
إلينا كلها مطبوعة.
~ والإمام
أبو حيان الغرناطي (ت745هـ) ألَّف أكثر من ثلاثة تفاسير أشهرها كتاب
البحر المحيط.
~ وقبلهما
أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي (ت440هـ) ألَّف تفسيرين جليلين أبسطهما سماه: "
التفصيل الجامع لعلوم التنزيل" والثاني سماه: " التحصيل لفوائد كتاب التفصيل
الجامع لعلوم التنزيل".
وهذا الاهتمام الواسع من العلماء بعلم التفسير
ما هو إلا دليل على الأهمية التي يكتسبها هذا العلم لأنه العلم الذي من خلاله يُفهم
كتاب الله تعالى الذي هو أصل الأدلة ، و أُس الشريعة.
لذلك لابد
للمسلم أن يقرأ آيات الله ويتلوها ويتفهمها ، وينظر في معانيها و يتبينها ، و يتفكر
فيها ويتدبرها ، ليهتدي بهدى القرآن ويعمل به ، لأن الله تعالى أمر بذلك فقال عز
وجل: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص:29] ، وقال تعالى:
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد:24] ، وقال سبحانه:
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء:82] .
و إذا
كانت هذه الأوامر الإلهية بالتفهم والتفكر والتدبر لمطلق الناس ، قال تعالى: { شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ } [البقرة:158] ، فإن الأمر في
حق المشتغلين بعلوم الشريعة أكد وأوجب ، لأنهم حمَلَةُ العلم الذين يُفترض فيهم أن
يكونوا حُماة الدين وحُفاظ الشريعة ، قال تعالى: { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] .
والتدبر مأمور به جميع من وصلهم كتاب الله عز وجل
، ومن مقاصد نزول القرآن بيانه وتبيينه، فالرسول
صلى الله عليه وسلم خوطب بمهمة البيان ، فقال عز وجل: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل:44] ، فكل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مما فهمه من
القرآن ، فالسُّنة جميعها بهذا الاعتبار ، كلها بيان و تفسير لكتاب الله ، والرسول
صلى الله عليه وسلم في بيانه لا ينطق عن الهوى ، قال عز وجل: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:3/4] ، وبيانه هو قبس من بيان الله عز وجل الذي نسبه عز وجل لِذاته العَلِية فقال: { لَا تُحَرِّكْ
بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) }
[النحل] ، فلذلك بيان رسول الله صلى الله عليه
وسلم من بيان الله ، وكل من يزعم القدرة على الإستنباط من القرآن الكريم بمعزل عن سنته
صلى الله عليه وسلم فإن زعمه على غير أساس ولا هدى.
ومن مقاصده التفسير والمفسرين أن نعرف بعض المصطلحات
التي يكثر وُرودها و يتناولها العلماء الذين ألَّفوا في تفسير كتاب الله عز وجل.
ولفظ التفسير
لم يكن بالصورة التي نجدها في العصور اللاحقة ، فالكتب القديمة التي عُنيت ببيان معاني
القرآن الكريم، آثرت أن تستعمل مصطلح المعاني ، ويتعلق الأمر بالمؤلفين الذين ألَّفوا
في معاني القران ونذكر منهم:
- كتاب "معاني القرآن" لأبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء.
- كتاب "معاني القرآن" لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش.
- كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، ولفظ
المجاز هنا مرادف عند ابي عبيده للفظ المعاني ولا يقصد به المجاز المقابل للحقيقة.
وأما لفظ
التفسير فقد استعمله طائفه من المتقدمين كالإمام أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري
لما عقد كتابا سماه "تفسير القران" ، ثم بعد ذلك اشتهر هذا اللفظ مع ظهور
أئمة ألَّفو في تفسير كتاب الله ، ومنهم من استعمل لفظ التأويل كما هو الشأن بالنسبة
لأبي جعفر محمد بن جليل الطبري.
·
تعريف التفسير:
§
التفسير لـغة:
هو
التبيين والكشف والإيضاح ، وهو مأخوذ من الفسر ، يقال: فسَرت الشيء بالتخفيف أفسُره
وأفسِره فسراً ، من باب ضرب ونصر ، وفسَّرت تفسيراً ، إذا بينته.
و منه
قوله تعالى: { وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيرًا } [الفرقان:33] أي تفصيلاً وبياناً.
و قال ابن منظور: الفَسْر كشف المغطى.
ومن العلماء من يرى أن (فسر) ، مقلوب (سفر) ، و
معناه الكشف أيضا ، يقال: سفرت المرأة سفوراً إذا ألقت خمارها عن وجهها. وأسفر الصبح
أضاء .
قال الراغب أبو القاسم الحسين بن محمد الأصبهاني
(ت502هـ) في مفرداته: الفسر
والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفضيهما ، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ، وجعل
السفر لإبراز الأعيان للأبصار.
§
التفسير اصطلاحا:
o
التعريف الأول:
عرفه أبو حيان محمد بن يوسف الغرناطي (ت745هـ) ، بقوله: علم يُبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن
الكريم ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل عليها حالة
التركيب وتتمات لذلك.
- وقال:
فقولنا: علم ، هو جنس يشمل سائر العلوم.
- وقولنا:
يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ، هذا هو علم القراءات الذي قسم منه له
علاقة بالتفسير والقسم الآخر لا علاقة له بالتفسير.
- وقولنا:
ومدلولاتها ، أي مدلولات تلك الالفاظ ، وهذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا
العلم .
- وقولنا:
وأحكامها الإفرادية والتركيبية ، هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب ، وعلم البيان
وعلم البديع.
ومعانيها
التي تعمل عليها حالة التركيب ، شمل بقوله التي تحمل عليها ، ما لا دلالة عليه
بالحقيقة ، وما دلالته عليه بالمجاز ، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا ، ويصد عن
الحمل على الظاهر صاد ، فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على غير الظاهر وهو المجاز.
- وقولنا:
وتتمات لذلك ، هو معرفة النسخ ، وسبب النزول ، وقصة توضح بعض ما انبهم في القرآن ،
ونحو ذلك.
o
التعريف الثاني: عرفه بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت794هـ) بقوله: علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه ، واستمداد ذلك من علم اللغة
والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول
والناسخ والمنسوخ.
o
التعريف الثالث: وهو تعريف أوجز وأعم. عرفه الشيخ محمد
الطاهر بن عاشور بقوله: هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما
يستفاد منها باختصار وتوسع.
وللتفسير تعريفات أخرى كثيره اجتهد العلماء في رسمها وصياغتها وهي كلها وإن
اختلفت ألفاظها ، فإنها من جهة المعنى متقاربه ، وتعود إلى كون علم التفسير علما يبحث
به عن مراد الله تعالى من آياته بقدر الطاقة البشرية، فيشمل كل ما يتوقف عليه بيان
هذا المراد، كما قال الزرقاني في مناهل العرفان.
·
تعريف التأويل:
§
التأويل لـغة:
فهو في
اللغة مأخوذ من الأول ، وهو الرجوع. يقال: آل الشيء يؤول أوْلاً ومآلا: رجع. وآل
عن الشيء ارتد. ومنه الحديث « من صام الدهر كله فلا صام ولا آل» أي لا رجع إلى
خير.
وأوَّل الكلام وتأوَّله: تدبره وقدره. وأوَّله وتأوله: فسره.
وقيل:
إن التأويل مأخوذ من الإيالة و هي السياسة ، فكأن المؤول يسوس الكلام ويضعه في موضعه .
قال الزمخشري
في أساس البلاغة: آل الرعية يؤولها إيالة حسنة ، و هو حسن الإيالة.
والناظر
في القرآن الكريم يجد هذا اللفظ ورد بمعان مختلفة.
o فقد جاء بمعنى التفسير و التعيين ، وذلك
في مثل قوله تعالى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } [آل عمران:7] .
o
وجاء بمعنى العاقبة والمصير ، وذلك في نحو قوله تعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ
خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً } [النساء:59] ، أحسن عاقبة
ومصيرا.
o
وجاء بمعنى تعبير الرؤيا و الإخبار بما يؤول إليه أمرها ، في
نحو قوله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ
رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } [يوسف:6] ، وقوله تعالى: { وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ
} [يوسف:44] ، وقوله تعالى:
قال { قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا
بِتَأْوِيلِهِ } [يوسف:37] .
o
وجاء أيضا بمعنى تأويل أفعال الخضرِ في سوره الكهف: { سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع
عَّلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:78] ، وقوله عز وجل:
{ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع
عَّلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف:82] .
§
التأويل اصطلاحا:
أما التأويل
اصطلاحا: يختلف معناه بين المتقدمين والمتأخرين.
o عند المتقدمين يطلق التأويل ويراد
به معنيان:
- المعنى الأول: تفسير
الكلام وبيان معناه ، سواء أوافق ظاهره أو خالفه.
وهذا الذي يقصده مجاهد بن جبر حين يقول: إن العلماء يعلمون تأويله ، أي يعلمون تفسيره.
وهو الذي يعنيه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى . . كذا وكذا. أو بقوله
واختلف أهل التأويل ، ونحو ذلك مما يزخر به تفسيره
، وهو على هذا مرادف للتفسير.
- المعنى الثاني: أن التأويل هو نفس المراد بالكلام. فإن كان الكلام خبرا كان تأويله
نفس الشيء المخبر به. وإذا كان طلبا كان تأويله نفس الفعل المطلوب ، وعلى هذا يتخرج
قول سفيان بن عيينة: السنة تأويل الأمر و النهي. و معناه أن السنة هي امتثال أوامر
الشرع ، والإنتهاء عند نواهيه.
o وأما التأويل في اصطلاح المتأخرين من
الفقهاء والأصوليين وغيرهم ، فهو صرف اللفظ عن المعنى الظاهر أو الراجح إلى المعنى
المرجوح لدليل يقترن به.
لذلك فإن المؤول يحتاج الى أمرين:
- الاول: أن يبين أن اللفظ
يحتمل هذا المعنى الذي حمله عليه ، وزعم أنه المراد.
- الثاني: أن يبين الدليل
الذي أوجب صرف اللفظ عن معناه الراجع إلى معناه المرجوح.
تمت المحاضرة بحمد الله
لتحميل المحاضرة بصيغة PDF إضغط هنا
الأربعاء، 20 مارس 2019
المحاضرة السابعة في مادة علوم القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
المحاضرة السابعة في مادة:
علوم القرآن فوج ¾
**************************
« الناسخ والمنسوخ (تتمة) »
·
تعريف النَّسخ في الاصطلاح:
النَّسخ في الاصطلاح: رفع حكم شرعي بدليل شرعي
متراخٍ عنه، أو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه.
وقد اختلف فيه عند الأصوليين على أقوال:
فقيل: "إزالة مثل الحكم الثابت بقول
منقول عن الله تعالى أو عن رسوله، مع تراخيه عنه على وجهٍ لولاه لكان ثابتًا.
وقيل: هو إزالة الحُكم بعد استقراره.
وقيل: هو نقل الحكم إلى خلافه..
وقد
أبطل الإمام الآمدي هذه الأقوال بوجوه.
وأما
التعريفُ الذي ارتضاه كثير من الأصوليين - كالآمدي والقاضي أبي بكر الباقلاني
والصيرفي وأبي إسحاق الشيرازي وأبي حامد الغزالي وغيرهم - أن النَّسخ هو: "الخطاب
الدال على ارتفاع الحُكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجهٍ لولاه لكان ثابتًا، مع
تراخيه عنه".
وقد بين الإمام الشوكاني أهمية هذه القيود
التي ذكرها العلماء في هذا التعريف، فقال: وإنما آثَروا الخطاب على النص، ليكون
شاملاً للفظ، والفحوى، والمفهوم ، فإنه يجوز نسخ جميع ذلك.
وقالوا: الدال على ارتفاع الحكم، ليتناول
الأمر، و النهي، والخبر، وجميع أنواع الحُكم.
وقالوا بالخطاب المتقدم، ليخرج إيجاب العبادات
ابتداءً، فإنه يزيل حُكم العقل ببراءة الذمة، ولا يسمى نسخًا ، لأنه لم يزَلْ حُكم
خطاب.
وقالوا: على وجه لولاه لكان ثابتًا ، أي: لولا ذلك الوجه لكان
الحكم ثابتاً.
وقد رد الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى على
هذا التعريف من عدة وجوه، ثم ذكر تعاريف أخرَ، وختم بقوله: "فالأولى أن يقال:
هو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه".
وقد تردد هذا المعنى في
كتاب الرسالة للشافعي في أكثر من موضع ، من نحو قوله: « ومعنى
نُسِخَ: تُرك فرضُه » وقال « وليس يُنسخ
فرض أبدا إلا أُثبت مكانه فرض ، كما نُسخت قِبلة بيت المقدس ، فأُثبت مكانها
الكعبة. وكل منسوخ في كتاب وسنة هكذا » وقال « و إنما
يعرف الناسخ بالآخِرِ من الأمرين ».
أما قبل الإمام الشافعي ، فقد كان إطلاق النسخ أعم من إطلاقه بعده ،
فسموا التخصيص نسخاً ، لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم ، وسموا الإستثناء والشرط
نسخا لأنه رفع دلالة الظاهر وبيان المراد ، وسموا تقييد المطلق نسخا ، وسموا بيان
المبهم أو المجمل نسخا ، ..... إلى غير ذلك مما يستفاد من إطلاقاتهم ، مما أشكل
على كثير من المهتمين في العصور المختلفة.
·
حُكْمُ النسخ:
أجمع العلماء على جواز النسخ ، ووقوعه
فعلاً.
واستدلوا بنحو قوله تعالى: { مَا
نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ
تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:106] .
وقوله تعالى: { وَإِذَا
بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا
أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل:101] ، قال مجاهد: { وَإِذَا
بَدَّلْنَا} رفعناها فأنزلنا غيرها. وقال
قتادة: هو كقوله تعالى: {ما ننسخ من آية ....}.
وقوله تعالى: { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] وهذه
الآية وإن كانت عامة في ما يشاء الله محوه ، كمحو الذنوب بالمغفرة ، وغير ذلك ،
فإنه يصح إدراج الناسخ والمنسوخ في دلالتها ، كما روي عن ابن عباس ، وقتادة وسعيد
بن جبير وغيرهما أنهم قالوا: يمحوا الله مايشاء من
الشرائع والفرائض ، فينسخه ويبدله ، ويثبت ما يشاء فلا ينسخه . وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم
الكتاب.
كما استدلوا بقوله تعالى: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة:144] . قال أبو عبد الله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: « في هذه
الآية دليل واضح على أن في أحكام الله تعالى وكتابه ناسخاً ومنسوخاً ».
كما تضافرت الروايات الصحيحة ، على أن النسخ قد وقع في بعض القرآن والأحكام
المنزلة ، وتواتر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر النسخ والقول به ،
كما ذهب غلى القول به عامة أئمة الإسلام من السلف والخلف.
قال ابن الجوزي: « انعقد
إجماع العلماء على هذا ، إلا أنه قد شذ من لا يُلتفت إليه ».
وقال أبو جعفر النحاس: « من
المتأخرين (يقصد هنا أبو مسلم الأصفهانى) من قال:
ليس في كتاب الله عز وجل ناسخ ولا منسوخ ، وكابر العيان ، واتبع غير سبيل المؤمنين
».
وأبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني (ت321هـ) من
فقهاء المعتزلة وهو ممن خالف الإجماع في هذه المسألة ، فذهب إلى عدم وقوع النسخ في
القرآن مطلقاً ، وأن ما قيل فيه النسخ ، يمكن تخريجه على وجه من وجوه التخصيص
والتاويل ، لذلك قال السبكي في جمع الجوامع: « فقيل: خالف
، فالخلف لفظي ».
على أن ابن حزم يرى في كتابه الإحكام في أصول
الأحكام: « أنه لم
يخالف في ثبوت النسخ أحد من اهل الإسلام ، وأن من نسب إلى بعض المتأخرين (أبو مسلم الأصفهانى) ، فهو على
نذرته خلاف منهم في اللفظ ، لا في المعنى ».
·
حِكَمُ النسخ:
ذكر العلماء للنسخ حِكَماً مدار معظمها على تحقيق مصالح العباد في العاجلة والآجلة.
~
فتارة ينزل الوحي بالحكم ، ثم ينسخه لاختبار صدق إيمان المكلفين.
و من ذلك ، نسخ القبلة من المسجد الأقصى إلى
المسجد الحرام في قوله تعالى: { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ } [البقرة:144] .
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن استقبال قبلة بيت
المقدس ، كان بوحي الله تعالى وأمره لا محالة ، ثم نسخ ذلك ، بالأمر بالتوجه شطر
المسجد الحرام. يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي
كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ
عَقِبَيْهِ } [البقرة:143] .
~ و
تارة من أجل إقرار مبدإ التدرج في التشريع ، لكون الناس حديثي العهد بالجاهلية ،
ومثاله التدرج في الصلاة في قلة الركعات ، ثم نسخ ذلك بفرض الصلوات بركعاتها
المعلومة.
~ و تارة من أجل رفع الحرج عن المكلفين ، بما سبق من أنواع
التكليف. ومن ذلك ، حكم عدة
المتوفي عنها زوجها ، التي كانت سنة كاملة ، في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [البقرة:240] ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرا ، في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [ البقرة:234].
~ ومن الحكم كذلك تثبيت المؤمنين على الحق ، بإظهار
المقاصد العامة من إنزال القرآن الكريم ناسخه ومنسوخه ، وذلك في قول الله تعالى
رداً على المشركين الذين جحدوا النسخ ، وذلك في قوله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ
لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل:102] ، بعد قوله تعالى: { إِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ
ۙ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ } [النحل:101].
·
أنواع النسخ:
النسخ في القرآن ثلاثةُ أنواع:
~ النوع الأول:
نسخ التلاوة
والحكم معاً:
مثاله: مارواه مسلم وغيرهُ عن عائشة رضي الله عنها قالت:
" كان فيما أُنزل: عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن،
فنُسخن بخمس معلومات ، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهن مما يُقرأ من القرآن "، وقولها " وهن مما يُقرأ من القرآن ".
والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأها على أنها لم ينسخ لفظها، فنسخت لفظًا
وبقي الحكم، لأن القرآن محكم وليس فيه ذكر الرضعات فدل ذلك على أنه نسخ لفظها وبقي
الحكم ولهذا في رواية الترمذي فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، يعني وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر
على أنه لا يحصل التحريم إلا بخمس معلومات هذا هو الصحيح.
~ النوع الثاني:
نسخ الحكم وبقاء التلاوة:
و مثاله: نسخ حكم آية العدة بالحول مع بقاء تلاوتها، وهذا النوع
هو الذي أُلّفت فيه الكتب، وذكر المؤلفون فيه الآيات المتعددة.
وقد يُقال: مالحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟
والجواب من وجهين:
أحدهما: أن القرآن كما يُتلى ليُعرف الحكم منه، والعمل به،
فإنه يُتلى كذلك لكونه كلام الله تعالى فيُثاب عليه، فتُركت التلاوة لهذه الحكمة.
وثانيهما: أن النسخ غالباً يكون للتخفيف، فاُبقيت التلاوة
تذكيراً بالنعمة في رفع المشقة.
و أما حكمة النسخ قبل العمل، كالصدقة عند النجوى، فيُثاب
على الإيمان به، وعلى نية طاعة الأمر.
~ النوع الثالث:
نسخ التلاوة مع بقاء الحكم:
وقد ذكروا له أمثلة كثيرة، منها آية الرجم: " الشيخ
والشيخة إذا زنيا فاجلدوهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ".
تمت
المحاضرة بحمد الله
لتحميل المحاضرة بصيغة PDF إضغط هنا
الاشتراك في:
الرسائل
(
Atom
)